الإدارة التربوية من منظور الإصلاح
إن إصلاح المنظومة التربوية هو أساس أي تنمية اجتماعية أو اقتصادية، لهذا نال الإصلاح التربوي الاهتمام الأكبر في أغلب بلدان العالم، واعتبر من الأولويات والميادين الاستراتيجية التي يتوقف عليها مسار التطور والازدهار الاجتماعي، حتى تولدت لدى الجميع قناعة مفادها أن أي مجتمع يعرف إقلاعا تنمويا لابد أن يكون قد مر عبر قناة الاستثمار في التربية والتكوين. فخصصت للإصلاح الميزانيات الضخمة، وأنجزت من أجله الدراسات والبحوث، واستقدمت الدول في ذلك خبرة الخبراء العالميين لتزويدها بالأساليب والطرق العلمية القمينة بتحقيق الأهداف المسطرة لتنمية المجتمع.
المغرب لم يكن استثناء لهذه القاعدة، فقد عرفت منظومته التربوية دينامية إصلاحية منذ فجر الاستقلال توجت بعشرية الميثاق الوطني للتربية والتكوين، فتقرير المجلس الأعلى للتعليم، ومن بعده البرنامج الاستعجالي، دينامية تتوخى تحقيق إصلاح تربوي وتعليمي شامل، وفق مقاربة نسقية في رؤيتها لمختلف عناصر المنظومة التربوية.
ومما لاشك فيه، أن الإدارة المدرسية تعتبر من بين أهم عناصر هذا النسق التربوي، إذ يعتبر إصلاحها في نفس مستوى إصلاح البرامج والمناهج الدراسية، أو تكوين المكونين أو الشعب التعليمية...؛ فجهاز الإدارة المدرسية ، كنظام متفرع من الإدارة العامة للدولة، هو بمثابة الآلية التي يدار بها نظام التعليم في مجتمع ما وفقا لتوجهاته واختياراته وظروفه الاقتصادية والاجتماعية لتحقيق أهداف المجتمع من التربية والتكوين.
واعتبارا للدور المحوري للإدارة المدرسية في تأهيل المنظومة التربوية وإنجاح إصلاحها بصفة عامة، والمؤسسة التعليمية بصفة خاصة، فإن الميثاق الوطني للتربية والتكوين ومن بعده البرنامج الاستعجالي ينصان على ضرورة اعتماد مقاربة جديدة تؤسس للانتقال من منظور التسيير وفق قواعد وأنماط تقليدية إلى منظور التدبير حسب تقنيات حديثة للتنظيم والتخطيط، الأمر الذي ولد مهاما ومسؤوليات جديدة ومتجددة تستلزم توفر المدير(ة) على مواصفات مهنية وقدرات تدبيرية في مستوى تطلعات الإصلاح التربوي. ذلك أن الإدارة التربوية بالمدرسة العمومية تعترضها جملة من الإكراهات نذكر بعضا منها:
E تشعب المسؤوليات والأنشطة المطلوب القيام بممارستها والتي يتطلب إنجازها مؤهلات خاصة؛
E ثقل المسؤولية على صعيد التدبير الإداري والمالي في ظل تعدد المخاطبين والشركاء والفاعلين؛
E نقص في التكوين الأساسي والمستمر في مجال التدبير التربوي والإداري والمالي؛
E غياب الطاقم المساعد على إنجاز مهام الإدارة التربوية بالنسبة للمدرسة الابتدائية العمومية...
موقع الإدارة المدرسية في مشاريع الإصلاح التربوي:
1.الإدارة المدرسية من خلال الميثاق الوطني للتربية والتكوين:
أوصى الميثاق الوطني للتربية والتكوين بإعطاء استقلالية أكبر للمؤسسات، كما نص على إرساء اللامركزية واللاتمركز بمنظومة التربية والتكوين. باعتبار اللاتمركز سياسة عامة تروم عقلنة الموارد المادية والمالية والبشرية. فقد دعا في المجال الخامس المرتبط بالتسيير والتدبير وخاصة في الدعامة الخامسة عشر إلى بلورة نهج اللامركزية واللاتمركز في قطاع التربية والتكوين، باعتباره اختيارا استراتيجيا وحاسما، ومسؤولية عاجلة، وبغية إعطاء هذا النهج أقصى الأبعاد الممكنة أشار الميثاق إلى إحداث هيئات مختصة في التخطيط والتدبير والمراقبة في مجال التربية والتكوين، على صعيد كل مؤسسة تعليمية، وذلك عن طريق نقل الاختصاصات ووسائل العمل بصفة تدريجية من المستوى المركزي إلى المستويات الجهوية، والإقليمية، فالمحلية.
وبخصوص الإدارة المدرسية، فإن الميثاق أحدث قطيعة مع التسيير التقليدي للمؤسسة التعليمية، بتركيزه على التدبير التشاركي للشأن التربوي المحلي، وفي هذا الصدد أصبح "يسير كل مؤسسة للتربية والتكوين مدير ومجلس للتدبير."حيث يشترط في المدير أن يكون قد نال تكوينا أساسيا في الإدارة التربوية، مع تنظيم دورات مكثفة للتكوين المستمر والتأهيل في هذا المجال، يستفيد منها المديرون الممارسون في غضون خمس سنوات على أبعد تقدير. ولتفعيل التدبير التشاركي بالإدارة المدرسية، وبمقتضى الميثاق يحدث مجلس للتدبير على صعيد كل مؤسسة تعليمية، يمثل فيه المدرسون وآباء أو أولياء التلاميذ وشركاء المؤسسة في مجالات الدعم المادي أو التقني أوالثقافي. وحددت مهام هذه الآلية الجديدة للتدبير فيما يلي:
· المساعدة وإبداء الرأي في برمجة أنشطة المؤسسة ومواقيت الدراسة واستعمالات الزمن وتوزيع مهام المدرسين؛
· الإسهام في التقويم الدوري للأداء التربوي وللوضعية المادية للمؤسسة وتجهيزاتها والمناخ التربوي بها؛
· اقتراح الحلول الملائمة للصيانة وللرفع من مستوى المدرسة وإشعاعها داخل محيطها.
ويمكن أن يضم مجلس تدبير المؤسسة ممثلين عن المتعلمين كلما توافرت الشروط التي يضعها المجلس لذلك، وتبعا للمقاييس التي يضعها في اختيار هؤلاء الممثلين، كما ترصد لكل مؤسسة ميزانية للتسيير العادي والصيانة، ويقوم المدير بصرفها تحت مراقبة مجلس التدبير.
وسعيا إلى بلورة التوجيهات الإصلاحية التي جاء بها الميثاق الوطني للتربية والتكوين، وأجرأتها وترجمتها على أرض الواقع، تم استصدار مجموعة من النصوص القانونية والتنظيمية والتطبيقية، تروم تقوية القدرات التدبيرية، وتأهيل الموارد البشرية، وترسيخ الثقافة القانونية وتعميمها بين موظفي قطاع التربية والتكوين. حيث جمعت أهم هذه النصوص وصنفت ضمن محاور كبرى على الشكل التالي:
- محور تعميم التعليم؛
- محور الارتقاء بالتعليم الخصوصي؛
- محور تدبير الموارد البشرية؛
- محور إصلاح نظام الامتحانات؛
- محور اختصاصات وتنظيم الوزارة؛
- محور التكوين؛
- محور الإدارة التربوية والحياة المدرسية.
ومهما كانت شمولية ودقة هذه النصوص، فإن استمراريتها تبقى رهينة بجعلها مفتوحة على التعديلات التي تفرزها الممارسة الميدانية، وتكييفها مع المستجدات التي تطال الحقل التربوي. حتى تحتفظ النصوص القانونية بأهميتها الكبرى في تنظيم العلاقات بين مختلف العاملين بقطاع التربية والتكوين، خاصة وأن هذا القطاع يتميز بثقافة النصوص التنظيمية والحرص على التقيد والعمل بها.
وتندرج الإدارة المدرسية ضمن محور الإدارة التربوية والحياة المدرسية، حيث يشرف على تسيير المؤسسة التعليمية المدير بمساعدة مجالس المؤسسة، والتي تتشكل من مجلس التدبير والمجلس التربوي والمجالس التعليمية ومجالس الأقسام، ويعتبر مجلس التدبير أهم هذه المجلس بالنظر إلى المهام التي يتولاها، وهي كالتالي:
- اقتراح النظام الداخلي للمؤسسة في إطار احترام النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل، وعرضه على مصادقة مجلس الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين المعنية؛
- دراسة برامج عمل المجلس التربوي والمجالس التعليمية والمصادقة عليها وإدراجها ضمن برنامج عمل المؤسسة المقترح من قبله؛
- دراسة برنامج العمل السنوي الخاص بأنشطة المؤسسة وتتبع مراحل إنجازه؛
- الاطلاع على القرارات الصادرة عن المجالس الأخرى ونتائج أعمالها واستغلال معطياتها للرفع من مستوى التدبير التربوي والإداري والمالي للمؤسسة؛
- دراسة التدابير الملائمة لضمان صيانة المؤسسة والمحافظة على ممتلكاتها؛
- إبداء الرأي بشأن مشاريع اتفاقيات الشراكة التي تعتزم المؤسسة إبرامها؛
- دراسة حاجيات المؤسسة للسنة الدراسية الموالية؛
- المصادقة على التقرير السنوي العام المتعلق بنشاط وسير المؤسسة، والذي يتعين أن يتضمن لزوما المعطيات المتعلقة بالتدبير الإداري والمالي والمحاسبي للمؤسسة.
فإلى أي حد استطاع مديرو ومديرات المؤسسات التعليمية نهج التدبير التشاركي في ممارستهم العملية، وإحداث قطيعة مع التسيير التقليدي لمؤسساتهم التعليمية؟
2. الإدارة المدرسية من خلال تقرير المجلس الأعلى للتعليم:
أكد استطلاع الرأي الذي أجراه المجلس الأعلى للتعليم في أوساط مدرسي التعليم الابتدائي مواقف واتجاهات إيجابية إجمالا إزاء الإدارة المدرسية، حيث سجلت على العموم نظرة إيجابية إلى حد ما لدى المستجوبين تجاه الطريقة التي تدار بها مؤسساتهم. ذلك أن أغلبية المدرسين تتجه نحو تقدير إيجابي للإدارة المدرسية بناء على المعايير التالية
· اتخاذ القرارات بطريقة توافقية(62% )؛
· احترام التوازن بين الجانب الإداري والبعد التربوي في تدبير المؤسسة التعليمية(61%)؛
· فعالية تدبير المؤسسة(60%)؛
· تواجد مشروع لتطوير المؤسسة(55%)؛
· تشجيع التفوق لدى الأساتذة والتلاميذ على السواء(54%).
وتعتبر هيئة التدريس المستجوبة أنها تعامل باحترام من طرف الإدارة المدرسية، إلا أن هامش المبادرة في تنظيم وتدبيرالبرامج وتشجيع المبادرات تبقى جوانب تولد لديهم القليل من الرضا مقارنة مع الأخرى.
إلا أنه بالرغم من الارتياح الذي عبرت عنه غالبية الفئة المستهدفة من المدرسين بخصوص نظرتهم للطريقة التي تدار بها مؤسساتهم، فإن تقرير المجلس الأعلى يقوم أداء الإدارة المدرسية من منطلق الحكامة الجيدة، إذ يعتبر أن الحكامة الجديدة لم تصل بعد للمؤسسات التعليمية، فمسألة الحكامة بالنسبة لتقرير المجلس الأعلى للتعليم تقع في "مفترق الطرق بين علوم التسيير والإدارة وسوسيولوجيا التربية والعلوم السياسية، غير أنه يجب أن تتلاءم نماذج الحكامة التربوية مع المعطيات التاريخية والسياق السوسيو ثقافي والسياسي لكل بلد." ويرتبط مفهوم الحكامة بمفاهيم أخرى تعنى بالمعايير والمحاسبة والتتبع، حيث أصبح تدبير المؤسسات التعليمية خاضعا للمراقبة والتقويم والمساءلة من طرف القطاعات الحكومية الوصية
§ تعدد الاختصاصات وتداخلها بين مختلف المجالس المحدثة على صعيد المؤسسات المدرسية، مما يؤثر سلبا على التدبير العادي لهذه المؤسسات؛
§ نقص في مبادرات المؤسسات التربوية الهادفة لربط شراكات وتعاون مع المتدخلين في قطاع التربية والتكوين؛
§ عجز المؤسسات التربوية عن تعبئة موارد إضافية خارج مساهمة الدولة؛
§ تمركز الموارد على الصعيد الجهوي لا يترك هامشا لتصرف المؤسسات التعليمية، ويحدد من فعالية ونجاعة الإدارة المدرسية.
هكذا إذن، يبدو بصفة عامة - حسب تقرير المجلس الأعلى للتعليم- أن المحيط العام للمنظومة لا يتيح دائما للإدارة المدرسية إمكانية اتخاذ مبادرات، ولايمكن المديرات والمديرين من الممارسة الكاملة لمهامهم والتحمل التام لمسؤولياتهم.الأمر الذي يحتم على المنظومة التربوية، وبشكل مستعجل، إيلاء ما يكفي من العناية لتطوير القدرات التدبيرية للمدير(ة). وهو ما ستتم محاولة تداركه في البرنامج الاستعجالي.
0 التعليقات: